البوابة الاخباري
منذ آلاف السنين، لعب الإنسان دورا هاما في إحداث تغييرات عديدة على المناخ والطبيعة. فإضافة لتسببه في انقراض عدد كبير من الكائنات الحية، أثرت الأنشطة الإنسانية، خاصة الصناعية منها، على مناخ الأرض وأدت لارتفاع في درجات الحرارة وانتشار الأمراض.
وعلى الرغم من تسارع وتيرة التغير المناخي بداية من القرن العشرين، سجّلت بداية التغيرات المناخية منذ حوالي 250 عاما. ويعود ذلك للفترة التي تزامنت مع الثورة الصناعية الأولى التي شهدها العالم.
الثورة الصناعية الأولى
مثلت الثورة الصناعية الأولى، التي استمرت ما بين منتصف القرن 18 ومنتصف القرن 19، فترة تقدم علمي وتقني شهد العالم خلالها تغييرات هامة أثرت على طرق ووسائل الإنتاج. وقد احتضنت دول غرب أوروبا، ومستعمراتها، والولايات المتحدة الأميركية أولى بذور هذه الثورة الصناعية الأولى التي تركزت أساسا على قطاعات الحديد والفحم والنسيج. من جهة ثانية، مثلت بريطانيا أولى الدول التي شهدت انطلاق هذه الثورة الصناعية الأولى. وأملا في الحفاظ على تفوقها التكنولوجي، أصدرت بريطانيا قرارات صارمة منعت تصدير الآلات ونقل طرق التصنيع وهجرة العمال ذوي الخبرة.
إلى ذلك، لم تتمكن بريطانيا من الحفاظ على هذا التفوق التكنولوجي طويلا. فتدريجيا، انتقلت البرامج الصناعية، التي ظهرت أساسا ببريطانيا، نحو العديد من دول غرب أوروبا، كفرنسا وبلجيكا، قبل أن تبلغ الولايات المتحدة الأميركية التي اعتمدت على برنامج هجرة حاولت من خلاله استقطاب الكفاءات الصناعية البريطانية.
الفحم واقتلاع الأشجار
إلى ذلك، شهدت فترة الثورة الصناعية الأولى زيادة كبيرة في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون لسببين رئيسيين. فخلال تلك الفترة الممتدة ما بين منتصف القرن الثامن عشر ومنتصف القرن التاسع عشر، اتجهت القوى الصناعية للاعتماد بشكل كبير على الفحم كمصدر للطاقة. من جهة ثانية، اتجهت العديد من الدول لاقتلاع عدد هائل من الأشجار بهدف اعتمادها لأغراض مختلفة تراوحت أساسا بين صناعة الفحم الخشبي والبناء. في مناطق عديدة من كندا الحالية، اتجهت بريطانيا لاقتلاع عدد هائل من الأشجار، اعتمادا على المستثمرين المتواجدين هنالك، بهدف تحويلها لألواح خشبية وتصديرها نحو الأراضي البريطانية.
وببريطانيا، أرسلت هذه الألواح الخشبية نحو أحواض بناء السفن لتلبية حاجيات البحرية البريطانية.
من جهة ثانية، شهدت عملية استيراد الخشب الكندي ارتفاعا هائلا وأدت لتخريب العديد من الغابات عقب الحصار القاري الذي فرضه نابليون بونابرت على بريطانيا بداية من العام 1806. فمع حرمانها من خشب البلطيق، فضلت بريطانيا التوجه نحو الخشب الكندي لتلبية الحاجيات المتزايدة لأحواض بناء السفن.
من جهة ثانية، عاشت الولايات المتحدة الأميركية عقب استقلالها على وقع سياسة مماثلة. فبسبب حاجتهم للخشب ومزيد من الأراضي الصالحة للزراعة والبناء، عمد الأميركيون لقطع كميات هائلة من الأشجار عند المناطق المحاذية لنهر المسيسيبي.
مع تراكم هذه العوامل في خضم الثورة الصناعية الأولى، اتجه العديد من العلماء، بتلك الفترة، للتحذير من تقلبات مناخية قد تؤثر على مستقبل الأرض. فخلال عشرينيات القرن التاسع عشر، تحدث عالم الرياضيات الفرنسي جوزيف فروييه (Joseph Fourier) عن ظاهرة تأثير البيت الزجاجي والاحتباس الحراري. وبخمسينيات القرن التاسع عشر، اكتشفت العالمة الأميركية يونيس فوت (Eunice Foote) تأثير ثاني أكسيد الكربون على المناخ وتسببه في ارتفاع درجات الحرارة.