الدكتور: علي منعم القضاة
ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا
شذرات عجلونية (45)
القراء الأعزاء كل عام وأنت بخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، تناولنا في شذرتي العجلونيتين السابقتين، البيئة والطبيعة في عجلون العالم، وبينّا أهميتها عالمياً، وستكون هذه الشذرة عن بيئة عجلون غير الطبيعية؛ ستكون عن بعض رجالات عجلون ونوابغها؛ راجياً أن تروق لكم.
كنوز عجلون
حبانا الله في عجلون برجالات أغلى من ذهبها الذي ذهب أدراج الرياح، رجالات عجلون من كل عشائرها، وأطيافها، وقراها كالنجوم، في كل قرية وحي، ومن كل عشيرة هناك من هو أفصح مني لساناً، وأقدر على التعريف برجالاتهم، ولذا فسوف ستكون شذرتي عن كنوز عشيرتي التي قدمت وتقدم، الشهداء، والعلماء، والفقهاء، والبلغاء، في الميادين كلها. نتحدث فيها عن غصن جديد باسقٍ، يتفتح في دوحتنا الغنّاء، هو برعمٌ سامقٌ سيطاول عنان السماء، ويبلغ ما بلغه سابقوه من رجالات العشيرة، بل ويزيد بإذن الله.
نيوتن القضاة
ساقني القدر ذات يومٍ من عام 2015 أن أراجع مركزاً أمنياً لمساعدة أحد ضيوف الأردن في أمرٍ طارئ، وكعادتي بدأت بتقديم بطاقتي الشخصية من قبيل التعريف بنفسي، فلما قرأ الملازم المناوب اسمي – وأظن أن اسمه كان نور الدين – سألني من أي بلد أنت؟ وإجابتي دائماً واحدة، إن أصل عشيرة القضاة في الأردن من قرية محي في الكرك، ونحن نَشرُفُ بهذا النسب، ولكنني من مواليد عين جنا، فبادرني بالقول إذا أنت من أقارب نيوتن!!
أعجبتني التسمية، ولكنني استغربتها!! فأنا أعرف أن إسحاق نيوتن إنجليزي، وليس في عشيرتي، أو من أقاربي أحد -حسب علمي- من يلقب بهذا، فأنا أعرف معظم الكُنى، وحتى الألقاب المشهورة للكثير من أبناء عشرتي، ولم أسمع بهذا من قبل. قال لا تستغرب، أنا وإبراهيم نيوتن زملاء دفعة واحدة في جامعة مؤتة، كل الدفعة كانت تنادي زميلنا إبراهيم بنيوتن لأنه نابغة بيننا، ونستغرب منكم عشيرة القضاة أن لا تقوموا بتبني مثل هذا النابغة وتطلقوا له العنان، فهو مبدع ومخترع وسيكون له شأن كبير بين العلماء.
قبل ثمانية أعوام نوّرَ لي الملازم نورالدين بصيرتي، وفرحَ جداً عندما علِمَ أن إبراهيم هو ابن عمي وجاري، ولكنه من جيل أبنائي، وبحكم غربتي خارج قريتي منذ عام 1977، لم أكن أعرف هذه المعلومات الدقيقة عنه، رغم معرفتي بأنه وجميع أخوته يتميزون بذكاءٍ خارق. من يومها أصبح اهتمامي أكبر بإبراهيم، وعلاقتي معه أعمق، وأمسيتُ أتابع أخباره المفرحة دائماً.
شو دخل السchفنة بحق اللحم؟!
إبراهيم رجل قانون تخرج في مصنع الرجال؛ في جامعة مؤتة، ومنها حصل على درجة البكالوريوس في القانون، ثم واصل السعي ونال درجة الماجستير في القانون (الجرائم الإلكترونية)، وهو على أبواب الدكتوراه في القانون إن شاء الله. وهو نقيب أمن عام ومُدربٌ بارعٌ ومتميزٌ في تخصصه. فما هي علاقة القانون والمحاكم، والجرائم الإلكترونية، والتدريب الميداني بالمخترعات والمحركات ومراحل الاحتراق؟؟!!
تتضح الإجابة واضحة جلية؛ لأن النقيب إبراهيم رجلٌ موسوعيٌ، أُفُقَهُ وعلمه أكبر بكثير من تخصص واحد؛ إنه ليس مجرد محامٍ يدرسُ معطيات مشكلة حصلت بين شخصين، وضعت أوراقها أمامه في ملف، ولا تداعياتٍ ترتبت على خلافات شخصية. ولذلك استطاع إبراهيم اختراع المحرك وسجل براءة دولية في علم المحركات والاحتراق الداخلي، والذي سيكون مردوده ونفعه عالمياً إن شاء الله، ولكن التساؤل ما زال قائماً فعلاً ما دخل السchفنة بحق اللحم؟!
حقيقٌ علينا الفخر به وبأمثاله
جهودٌ جبارة، وعملٌ متواصل دؤوب أوصل إبراهيم نيوتن إلى تسجيل براءة الاختراع لدى الجهات المختصة، (صناعة محرك متكامل بمبادئ علمية جديدة)، تؤدي إلى تخفيف استهلاك الوقود، ورفع كفاءة المحرك وتقليل نسبة العادم في طبقة الاوزون. صناعةٌ ممنوعةٌ على الوطن العربي؛ أو على الأقل غير مسموح بها في دول العالم العربي الكبير، والمترامي الأطراف، ولا يوجد في وطننا العربي حتى الآن شركة، ولا جهة تقوم بتصنيع مثل هذه المحركات.
صناعة المحركات حكرٌ على دول الغرب حتى تاريخه، رغم أن كثيراً من علماء الغرب، ومخترعيه، من أصول أسيوية، أو عربية، أو مسلمة، تم استقطابهم وسلخهم عن أوطانهم، ومنحهم كل الامتيازات، والمغريات التي لا يمكن لهم أن يتخيلوها، أو يتجاوزوها، إذا أن مقصد أي عالم، أو مخترعٍ أن ترى النور مخترعاته، ويجعلون بيئتهم المحيطة بهم جنة في الأرض؛ من حيث الاحتياجات الشخصية والعائلية؛ قبل أن تكون بيئة اختراع وإنتاج وعطاء.
حفر بالصخر وأنتج
اختراعٌ علميٌ جديدٌ في علم المحركات ليس بالأمر السهل، لا ذهنياً، ولا جسدياً، ولا مادياً على موظف محدود الدخل؛ يكاد كبقية الأردنيين أن لا يصل نهاية كل شهر إلا بشقِ الأنفسِ، وهو ملتزمُ بوظيفة أجواؤها، ومفرداتها، وتفصيلاتها مغايرةً تماماً لطبيعة ومجال عمل المحركات، والسيارات، والاختراعات (The Camless I.C.Engines).
إنها العزيمة والإصرار -بعد توفيق رب العالمين- دون كللٍ، أو ملل؛ على نفقته الشخصية وبجهوده الفردية، ومنذ سنوات واصل إبراهيم العمل حتى أعلن عن اختراعه، وحقق آماله. جهودٌ كلفته ما يزيد عن 17 ألف دينار، وبضع سنوات من عمره؛ ليصل مرحلة تسجيل الاختراع، وإثبات المبدأ العلمي الجديد؛ وتسجيله بشكل رسمي لدى وزارة الصناعة والتجارة، مع مطلع العام الجاري 2023.
أمرٌ يتركُ في النفسِ شرخاً عميقاً؛ ويؤسف له أن مخترعاً مثل إبراهيم؛ لم يجد جهة حكومية، أو خاصة، تقوم بدعمه مادياً، ولا تمويله لبناء نموذج هذا المشروع، وقد قام إبراهيم نيوتن بجهوده الفردية، بإتمام بناء النموذج الصناعي الأولي لمشروعه “برتوتايب” (Full-scale Engine). وهذه دعوة من هذا المنبر للجهات الحكومية، أو الخاصة المعنية لدعم هذا المخترع ومشاريعه قبل أن تأتيه جهة خارجية تقتنص الفرصة السانحة وتحرمنا منها.
هاجر يا قتيبة، وخذ معك حذيفة
يصل رأسمال مركز ستانفورد للبحث والتطوير (في أمريكا) إلى 13 مليار دولار أمريكي، وتكلفة مشروع إبراهيم نيوتن الآن فقط 25 ألف دولار، يعني ثمن ساندويشات للعاملين في ذلك المركز لو أرادو وجبة سريعة. الغرب لا يحتكر العلم، ولا يضع سدوداً أمام العلماء، ولا المعامل، والمصانع، والمختبرات، بقدر ما يسهل عملهم، ويستقطب خبراتهم، ويضع في خدمتهم مصباح علاء الدين -بما في الكلمة من معنى -، ويمنحهم حرية الرأي والتعبير عن علومهم، حرية حقيقية سقفها السماء في مجال عملهم، تفتح للعلماء الأبواب أمام العمل، والاختراع، والابتكار، لكل العقول النيرة، ويعتبرونهم في الغرب من الذوات، لهم قيمة عالية، ومعاملة خاصة، بصرف النظر عن الجنس، أو الجنسية، أو العرق، أو الدين، أو الثقافة وبكل تأكيد بصرف النظر عن العمر.
مشروعٌ تعجز عن بنائه شركات كبرى، يقوم به شخص بجهوده وأمواله الخاصة، فكيف نبحث عن مصانع محركات، ومصانع للطائرات، وأسلحة نحمي بها أنفسنا وأوطاننا؟؟!! أموال العرب لا ينتفع بها هذا المخترع دعماً لجهوده، مع أن اختراعه لا يحتاج معشار تكلفة حفلة ماجنة في بلاد العرب والمسلمين، يُدعى إليها سخيف إلى بلادنا، ولا تتحدث عنه وسائل إعلامنا بما يستحق!! لم أجد تفسيراً لها غير أن اسم إبراهيم نيوتن لم يكن في قوائم المؤثرين اجتماعياً والحمد لله.
الدكتور علي منعم القضاة
أستاذ مشارك في الصحافة والتحرير الإلكتروني
E-mail:dralialqudah2@gmail.com
Mob : +962 77 77 29 878